Down My Porn

الثورة المصرية بين الحلال والحرام




قضايا مصر التي قامت من أجلها ثورة الشباب في يناير الماضي وأجمع عليها الشعب معروفة للجميع، ويمكن حصرها في ثلاث قضايا رئيسية هي، محاربة الفساد السياسي والاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحرير الإرادة القومية من القيود والضغوط الأجنبية، وتحت هذه العناوين يمكن إدراج كافة المشاكل التي تعاني منها مصر وشعبها، والتي تسبب فيها النظام المخلوع.
وكان من المفترض عند بدء الحملات الدعائية لأول انتخابات برلمانية بعد الثورة تشارك فيها كافة القوى السياسية الموجودة على الساحة بحرية ومساواة كاملة، أن تطرح الأحزاب والقوى السياسية برامجها الانتخابية في إطار القضايا الثلاث التي ذكرناها.
وأن يتم هذا الطرح على الجماهير التي ستنتخب بشكل مباشر في الشارع من خلال مؤتمرات أو مطبوعات، أو من خلال وسائل الإعلام، لكن للأسف الشديد لم يحدث هذا، وذهبت الجماهير الكبيرة لصناديق الانتخاب دون أن تقرأ أو تسمع أي برنامج عمل لأي حزب أو تكتل سياسي، فقط ذهبت مدفوعة بحماس الثورة وانطلاقاً من الكبت والتغييب السياسي الذي مارسه النظام السابق معها ثلاثين عاماً مضت.
وكان الخيار أمام الغالبية من عامة الناخبين المصريين بين اثنين لا ثالث لهما، إسلاميين وغير إسلاميين، ولعب الإعلام وخاصة الفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة على الإنترنت دوراً كبيراً في هذا التعتيم، حيث مع اقتراب موعد المرحلة الأولى من الانتخابات، وقبل أن يبدأ التصويت بأيام قليلة فوجئنا بتردد الأقاويل حول حتمية تقدم الإسلاميين، ولم نعرف أي شيء عن برامج هؤلاء الإسلاميين وكيفية تعاملهم مع القضايا المذكورة، بل فوجئنا بقضايا غريبة للغاية وبعيدة تماماً عن قضايا الشعب وعن روح وجوهر ثورته.
حيث ملأ الساحة جدل واسع مشوب بالجدية أحياناً والسخرية أحياناً أخرى حول مسائل الحرام والحلال، وانتشر هذا الجدل بشكل كبير وسريع في وسائل الإعلام والاتصال الإلكتروني، وامتد إلى المساجد والندوات والاجتماعات التي امتلأت بالحوارات حول تحريم أو تحليل السياحة والخمر والغناء والموسيقى والرقص والسينما والاختلاط في الأماكن العامة، والنقاب والحجاب، وتهنئة الأقباط بأعيادهم أو عدم تهنئتهم، ومراقبة الشواطئ، ليس من أجل حماية حدود البلاد، بل لتقويم سلوك الناس على الشاطئ.
وكذلك مراقبة سلوكيات الناس في الملاهي والحدائق والمراكز التجارية، ووصل الأمر لدرجة مناقشة قضية إلزام الرجال بإطلاق لحيتهم أو عدم إلزامهم، وسمعنا عن مشروع تشكيل جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والتي قلصت السعودية نشاطها عندها، لأنها أساءت إلى سمعتها، وأخذت وسائل الإعلام تسترسل في تفصيل الخلاف حول هذه القضايا بين الإخوان والسلفيين، فمنهم من وافق أن يهنئ الأقباط بأعيادهم ومنهم من رفض، ومنهم من قال نهنئ من بعيد، ومنهم من حلل الفنون ومنهم من حرمها، ومنهم من وافق على بقاء الخمور من أجل السياحة ومنهم من رفض.
وهكذا في باقي القضايا التي استغرقت وقت الإعلام والشعب قبل بدأ الانتخابات وما زالت حتى الآن، وكأن الثورة، التي لم يشارك الإخوان والسلفيون في إشعالها، بل ركبوها بعد التأكد من انتصارها، وامتنعوا عن المشاركة في العديد من تجمعاتها أيام الجمعة، قد قامت من أجل كل هذه القضايا التي تتعارض مع روح العصر، ولا تمس واقع ومعاناة مصر وشعبها لا من بعيد ولا قريب.
ولم نسمع من هذه القوى السياسية شيئاً عن قضايا الموظفين والعمال والشباب والبطالة والفساد والصحة والتعليم، ولا عن أي قضية من قضايا الثورة، ولا حتى عن شهداء وجرحى الثورة وعائلاتهم، ولم نر منهم أي موقف إيجابي أو مشاركة في الأحداث المأساوية التي شهدتها مصر خلال الأيام الماضية، إنهم مشغولون تماماً في الانتخابات، مكتفون من الثورة بما حصلوا عليه، وتاركون قضاياها لمن يهمه الأمر.

0 commentaires:

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...