Down My Porn

مقال رأي: علي العريض يطمئن القناصة و يعرب عن تكفل الحكومة بحمايتهم

المشهد التونسي – أنيس المنصوري
الزيارة التي أدّاها وزير الدّاخلية علي العريض إلى ثكنة بوشوشة بدعوة من نقابة موظّفي الإدارة العامّة لوحدات التّدخل اليوم ليست فقط مجرد تعبير عن سياسة “بكل حزم” التّي تريد الحكومة المؤقتة انتهاجها لمجابهة الاعتصامات و الإضرابات و التّحركات الاحتجاجية.
أبعد من ذلك، إنها زيارة تضامن و تآزر مع من لا يطالهم القانون و من هم قادرون على ضمان مكان فوقه باختلاف الحكومات و الرؤساء. هؤلاء المدلّلين المبجّلين في عهد بن علي و الذّين كانوا في طليعة المجنّدين لتطبيق سياسة “بكل حزم”، هم من أراد قائد السبسي في عهد المبزع أن يرجع بهم “هيبة الدولة” و هم من يريد حمادي الجبالي الآن، في عهد الرئيس المؤقت المرزوقي، أن يخوض بخبرتهم الشوط الثاني لمباراة “بكل حزم”. هم أبعد من أن يوصفوا بـ”كلاب الحراسة”، وفق عبارة بول نيزان، فأيديهم مضرّجة بدماء الشّهداء

هذه الزّيارة تتأتّى بعد يوم واحد من الجلسة الثّانية للمحكمة العسكرية الدائمة بتونس التي خُصّصت للنّظر في قضايا الجرحى و الشّهداء ممن أصيبوا و قتلوا في تونس و ولايات الشّمال بداية من 13 جانفي. تلك الجلسة التي شهدت هرجا و مرجا و بكاء و شعارات تطالب بالعدالة و تعتبر المحاكمة مسرحية. الصارخون الغاضبون الباكون هم الجرحى و عائلات الشّهداء الذّين اقتحموا قاعة الجلسة و أجبروا محامي المتّهمين على مغادرتها. أما المتّهمون فجلهم في حالة سراح و بعضهم لازال يزاول مهنته الحازمة و البعض الآخر تمت ترقيته ليشغل منصبا أهم و أكثر خطورة و فيهم حتى من تجرّأ على البصاق على عائلات الشهداء بعد خروجه من قاعة المحكمة العسكرية بالكاف حرا طليقا مثلما قدم إليها.
أن يتحوّل وزير الدّاخلية بدعوة من نقابة للأمن تطلب من موظّفيها المورّطين في تقتيل أبناء الشّعب أن يقاطعوا جلسة المحاكمة فإن ذلك أكثر من أن يكون استهزاء بالعدالة حتى و إن كانت عسكرية. و أن يقبل وزير الدّاخلية هذه الدّعوة فذلك يعني مباركته لهذا التمرّد. إن علي العريض قد وجّه رسالة واضحة للمصابين و للشّهداء و لعائلاتهم : لا أمل لكم في محاسبة من هم فوق القانون و فوق العدالة. فاصطفافه وراء المنصف العجيمي و هو يتشدّق بحقوق الإنسان و بالواجب المهني الذي يجب أن يقوم به عون الأمن بعيدا عن “الولاءات” هو أشبه بالتّحالف، بل هو صفقة يمكن تسميها بالقمع مقابل الحماية.
قد يكون المقابل في الحماية هو حاجة الحكومة لأن تفرض هيبتها بكل حزم. ففشلها المدقع في إيجاد حلول للتّحركات الاحتجاجية و عجزها عن الإقناع بقدرتها عن حل أسبابها العميقة جعلها تستعيد نظرية “الحزم” التي أدت إلى هروب المخلوع (أو بالأحرى تهريبه) فانبرت في تجريمها و التوعّد بقمعها، و لن يمكن لها ذلك طبعا إلا بعصا غليظة هي تلك الفِرق التي استمتع علي العريض بمشاهدة عروضها الأمنية في مواجهة الشّارع (رغم أنه كان يمكن له الاستمتاع أكثر بعرض تطبيقيّ جدّ في ذات اليوم أمام مبنى وزارة التّعليم العالي). قد يكون هذا المقابل، أو على أقل هذه هي الدّلالات الأولية لهذه المسرحية.
المرزوقي، الرئيس المؤقت، فهم التحذير و استقدم السيك سالم ليحل محل منصف كريفة في رئاسة الحرس الرئاسي. إلا أنه لم يُقدم على التّخلي عن المكلف بحراسته الشّخصية المورّط في قضايا القتل العمد و الذي لا يمتثل لتراتيب العدالة إلا بعد أن افتضح أمره إعلاميا. فبعد أن علم الجميع ممن ضمت ثورتنا أن المكلّف بالحرس الرئاسي له باع كبير و شأن هام فيما بات يعرف بقضية القنّاصة و أنه فضلا عن كونه لم يمتثل لبطاقات الجلب التي صدرت بحقه قد تمت ترقيته، أصبح لزاما على ذلك الذي يجيد الخطابات الشّعبوية أن يتخلّى عن شبهة قد تظل تلاحقه. فتنصّله من هذه الورطة ليس إذن إلا مرواغة سياسية، إذ لو كان فعلا حريصا على هذا الملّف لتصرف معه بطريقة تليق بمقام كل منهما.
تلبية علي العريض وزير الدّاخلية لدعوة نقابة موظفي الإدارة العامّة لوحدات التّدخل و زيارته لثكنة بوشوشة و احتفائه بالمجرم المنصف العجيمي هو طمأنة لهؤلاء المجرمين و تعهد بحمايتهم. إنه انخراط للحكومة الجديدة في إرث الحكومات القديمة. هو تبنٍ لجرائم بن علي و دفاع عنها. إنه مواصلة في نهج قائد السبسي في حماية القناصة.
الصفقة أكبر من أن تكون صفقة القمع مقابل الحماية. إنّها الدليل على تواصل النّظام و استمراره في أشكال جديدة. و لن يمكن فهم تفاصيلها إلا بفهم حقيقة ما حدث يوم 14 جانفي و حقيقة من وقف وراء تقتيل أبناء الشعب و ما زال يقف لحمايتهم من كل عقاب. قد يفلت المجرمون اليوم من سؤالات العدالة المدنية و العدالة العسكرية و قد يمكن للمجلس التأسيسي و للرئاسة الوقتية و للحكومة الوقتية أن يتكفلوا بحمايتهم و لكن لن يمكنهم عاجلا أم آجلا من الإفلات من عدالة لا تقبل لا المقايضة و لا الصّفقات و لا المساومة، إنها العدالة الشّعبية. ساعتها سيدرك المنقلبون على الثّورة أن المتستر على جرم يُجازى بعقاب المُجرم.


0 commentaires:

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...